فصل: 4- الربح الناجم من هذا السبيل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.2- الاتجار بالمواد المخدرة واتخاذها وسيلة للربح التجاري:

إنه قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم الخمر، منها ما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والاصنام».
وورد عنه أيضا أحاديث كثيرة مؤداها أن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه.
وقد علم من الجواب عن السؤال الأول أن اسم الخمر يتناول هذه المخدرات شرعا، فيكون النهي عن بيع الخمر متناولا لتحريم بيع هذه المخدرات.
كما أن ما ورد من تحريم بيع كل ما حرمه الله، يدل أيضا على تحريم بيع هذه المخدرات.
وحينئذ يتبين جليا حرمة الاتجار في هذه المخدرات واتخاذها حرفة تدر الربح، فضلا عما في ذلك من الاعانة على المعصية التي لاشبهة في حرمتها، لدلالة القرآن على تحريمها بقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}.
ولاجل ذلك كان الحق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من تحريم بيع عصير العنب لمن يتخذه خمرا، وبطلان هذا البيع لأنه إعانة على المعصية.

.3- زراعة الخشخاش والحشيش:

بقصد البيع واستخراج المادة المخدرة منهما للتعاطي أو للتجارة:
إن زراعة الحشيش والافيون لاستخراج المادة المخدرة منهما لتعاطيها أو الاتجار فيها حرام بلا شك، لوجوه:
أولا: ما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار».
فإن هذا يدل على حرمة زراعة الحشيش والافيون للغرض المذكور، بدلالة النص.
ثانيا: إن ذلك إعانة على المعصية.
وهي تعاطي هذه المخدرات أو الاتجار فيها.
وقد بينا فيما سبق أن الاعانة على المعصية معصية.
ثالثا: إن زراعتها لهذا الغرض رضا من الزارع بتعاطي الناس لها، واتجارهم فيها، والرضا بالمعصية معصية.
وذلك لأن إنكار المنكر بالقلب الذي هو عبارة عن كراهة القلب وبغضه للمنكر، فرض على كل مسلم في كل حال، بل ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي أسلفنا - ليس عنده من الايمان حبة خردل».
على أن زراعة الحشيش والافيون معصية من جهة أخرى، بعد نهي ولي الأمر عنها بالقوانين التي وضعت لذلك، لوجوب طاعة ولي الأمر فيما ليس بمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين، كما ذكر ذلك الإمام النووي في شرح مسلم في باب طاعة الأمراء.
وكذا يقال هذا الوجه الأخير في حرمة تعاطي المخدرات والاتجار فيها.

.4- الربح الناجم من هذا السبيل:

قد علم مما سبق أن بيع هذه المخدرات حرام فيكون الثمن حراما:
أولا: لقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
أي لا يأخذ ولا يتناول بعضكم مال بعض بالباطل.
وأخذ المال بالباطل على وجهين:
1- أخذه على وجه الظلم، والسرقة، والخيانة، والغصب، وما جرى مجرى ذلك.
2- أخذه من جهة محظورة كأخذه بالقمار، أو بطريق العقود المحرمة، كما في الربا، وبيع ما حرم الله الانتفاع به، كالخمر المتناولة للمخدرات المذكورة كما بينا آنفا.
فإن هذا كله حرام وإن كان بطيبة نفس من مالكه.
ثانيا: للاحاديث الواردة في تحريم ثمن ما حرم الله الانتفاع به.
كقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس.
وقد جاء في زاد المعاد ما نصه: قال جمهور الفقهاء: إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه، بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله.
وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه.
وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات.
وكذلك ثياب الحرير: إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها، حرم أكل ثمنها، بخلاف بيعها ممن يجل له لبسها اه وإذا كانت الاعيان التي يحل الانتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية الله - على رأي جمهور الفقهاء، وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الادلة وغيرها عليه، كان ثمن العين التي لا يحل الانتفاع بها - كالمخدرات - حراما من باب أولى.
وإذا كان ثمن هذه المخدرات حراما، كان خبيثا، وكان إنفاقه في القربات - كالصدقات والحج - غير مقبول: أي لا يثاب المنفق عليه.
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} الآية وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء..يا رب..يا رب..ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟».
وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه، فيبارك له فيه: ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النار، إن الله لا يمحو السئ بالسئ، ولكن يمحو السئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث».
وجاء في كتاب جامع العلوم والحكم، لابن رجب، أحاديث كثيرة وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الموضوع.
منها ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كسب ما لا حراما فتصدق به لم يكن له أجر، وكان إصره - يعني إثمه وعقوبته - عليه».
ومنها ما في مراسيل القاسم بن مخيمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه، أو تصدقه به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك جميعا ثم قذف به في نار جهنم».
وجاء في شرح ملا علي القاري للأربعين النووية عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه إذا خرج الحاج بالنفقه الخبيثة، فوضع رجله في الغرز - أي الركاب - وقال لبيك، ناداه ملك من السماء: لالبيك ولاسعديك، وحجك مردود عليك».
فهذه الأحاديث التي يشد بعضها بعضا، تدل على أنه لا يقبل الله صدقة، ولا حجة، ولا قربة أخرى من القرب من مال خبيث حرام.
ومن أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الانفاق على الحج من المال الحرام حرام.
وخلاصة ما قلناه: أولا: تحريم تعاطي الحشيش والافيون والكوكايين ونحوهما من المخدر.
ثانيا: تحريم الاتجار فيها، واتخاذها حرفة تدر الربح.
ثالثا: حرمة زراعة الافيون والحشيش، لاستخلاص المادة المخدرة لتعاطيها أو الاتجار فيها.
رابعا: أن الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد حرام خبيث، وأن إنفاقه في القربات غير مقبول، وحرام.
قد أطلت القول إطالة قد تؤدي إلى شيء من الملل.
ولكني آثرتها تبيانا للحق، وكشفا للصواب، ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين، وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين وأضاليل الضالين المضلين.
وقد اعتمدت فيما قلت أو اخترت على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أقوال الفقهاء التي تنفق مع أصول الشريعة الغراء ومبادئها القويمة.
انتهت والحمد لله رب العالمين وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

.حد شارب الخمر:

الفقهاء متفقون على وجوب حد شارب الخمر، وعلى أن حده الجلد.
ولكنهم مختلفون في مقداره: فذهب الأحناف ومالك: إلى أنه ثمانون جلدة.
وذهب الشافعي: إلى أنه أربعون.
وعن الإمام أحمد روايتان:
قال في المغني: وفيه روايتان.
إحداهما: أنه ثمانون.
وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم، لاجماع الصحابة، فإنه روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر؟ فقال عبد الرحمن ابن عوف: اجعله - كأخف الحدود - ثمانين.
فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام.
وروي أن عليا رضي الله عنه قال في المشورة: إذا سكر: هذى، وإذا هذى: افترى، فحدوده حد المفترى.
روى ذلك الجوزجاني، والدارقطني وغيرهم.
والرواية الثانية أن الحد أربعون، وهو اختيار أبي بكر، ومذهب الشافعي، لأن عليا جلد الوليد بن عقبة أربعين.
ثم قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين. وكل سنة وهذا أحب إلي. رواه مسلم.
وعن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر، فضربه بالنعال نحوا من أربعين.
ثم أتي به أبو بكر، فصنع مثل ذلك.
ثم أتي به عمر فاستشار الناس في الحدود.
فقال ابن عوف: أقل بالحدود ثمانون فضربه عمر.
وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه بفعل غيره، ولا ينعقد الاجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعلي، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعله إذا رآه الإمام.
ويرجح هذا أن عمر كان يجلد الرجل القوي المنهمك في الشراب ثمانين، ويجلد الرجل الضعيف الذي وقعت منه الزلة أربعين.
وأما الأمر بقتل الشارب إذا تكرر ذلك منه فهو منسوخ: فعن قبيص بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه - في الثالثة أو الرابعة -» فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به، فجلده، ثم أتي به، فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة.
بم يثبت الحد؟
ويثبت هذا الحد بأحد أمرين:
1- الاقرار: أي اعتراف الشارب بأنه شرب الخمر.
2- شهادة شاهدين عدلين.
واختلف الفقهاء في ثبوته بالرائحة: فذهبت المالكية إلى أنه يجب الحد إذا شهد بالرائحة عند الحاكم شاهدان عدلان، لأنها تدل على الشرب، كدلالة الصوت والخط.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يثبت الحد بالرائحة، لوجود الشبهة والروائح تتشابه، والحدود تدرا بالشبهات.
ولاحتمال كونه مخلوطا أو مكرها على شربه، ولان غير الخمر يشاركها في رائحتها.
والاصل براءة الشخص من العقوبة، والشارع متشوف إلى درء الحدود.